فصل: قال التستري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال التستري:

وسئل عن قوله: {وَمِن كُلِّ الثمرات إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} [11]، وقال بعدها: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ} [12]. فقال: لأن الثمرات من نوع واحد، والليل والنهار نوعان، وكذلك الشمس والقمر، فقال: {لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [12].
واعلم أن الله تعالى لما أراد إظهار علمه أودع علمه العقل، وحكم أنه لا يصل أحد إلى شيء منه إلا بالعقل، فمن فاته العقل فقد فاته العلم. اهـ.

.قال محمد بن أبي بكر الرازي:

فإن قيل: كيف قال الله تعالى في وصف ماء السماء: {يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} ولم يقل: {كل الثمرات} مع أن كل الثمرات تنبت بماء السماء؟
قلنا: كل الثمرات لا تكون إلا في الجنة، وإنما ينبت في الدنيا بعض منها أنموذجا وتذكرة، فالتبعيض بهذا الاعتبار، فيكون المراد بالثمرات ما هو أعم من ثمرات الدنيا. اهـ.

.التفسير المأُثور:

قال السيوطي:
{وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {لكم فيها دفء} قال: الثياب {ومنافع} قال: ما تنتفعون به من الأطعمة والأشربة.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {لكم فيها دفء ومنافع} قال: نسل كل دابة.
وأخرج الديلمي عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «البركة في الغنم، والجمال في الإبل».
وأخرج ابن ماجة عن عروة البارقي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الابل عزّ لأهلها، والغنم بركة».
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، عن قتادة في قوله: {ولكم فيها جمال حين تريحون} قال: إذا راحت كأعظم ما يكون أسنمة، وأحسن ما تكون ضروعًا {وحين تسرحون} قال: إذا سرحت لرعيها. قال قتادة: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم، سئل عن الإِبل فقال: «هي عز لأهلها».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر، عن ابن عباس في قوله: {وتحمل أثقالكم إلى بلد} قال يعني مكة {لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس} قال: لو تكلفتموه لم تطيقوه إلا بجهد شديد.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {إلا بشق الأنفس} قال: مشقة عليكم.
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر فإن الله تعالى إنما سخرها لكم لتبلغوا إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس وجعل لكم الأرض فعليها فاقضوا حاجاتكم».
وأخرج أحمد وأبو يعلى والحاكم وصححه عن معاذ بن أنس، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قوم وهم وقوف على دواب لهم ورواحل، فقال لهم: «اركبوا هذه الدواب سالمة ودعوها سالمة ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق، فرب مركوبه خير من راكبها، وأكثر ذكرًا لله تعالى منه».
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء بن دينار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تتخذوا ظهور الدواب كراسي لأحاديثكم، فرب راكب مركوبة هي خير منه وأطوع لله منه وأكثر ذكرًا».
وأخرج ابن أبي شيبة، عن حبيب قال: كان يكره طول الوقوف على الدابة، وأن تضرب وهي محسنة.
وأخرج أحمد والبيهقي، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو غفر لكم ما تأتون إلى البهائم لغفر لكم كثير».
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {لتركبوها وزينة} قال: جعلها لتركبوها وجعلها زينة لكم.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة: أن أبا عياض كان يقرؤها {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} يقول: جعلها زينة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كانت الخيل وحشية، فذللها الله لإِسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة، عن وهب بن منبه قال: بلغني أن الله لما أراد أن يخلق الفرس قال لريح الجنوب: إني خالق منك خلقًا، أجعله عزًا لأوليائي، ومذلة لأعدائي، وحمى لأهل طاعتي، فقبض من الريح قبضة، فخلق منها فرسًا، فقال: سميتك فرسًا وجعلتك عربيًا، الخير معقود بناصيتك والغنائم محازة على ظهرك، والغنى معك حيث كنت، ارعاك لسعة الرزق على غيرك من الدواب، وجعلتك لها سيدًا، وجعلتك تطير بلا جناحين، فأنت للطلب، وأنت للهرب، وسأحمل عليك رجالًا يسبحوني، فتسبحني معهم إذا سبحوا، ويهللوني، فتهللني معهم إذا هللوا، ويكبروني، فتكبرني معهم إذا كبروا، فلما صهل الفرس؛ قال: باركت عليك، أرهب بصهيلك المشركين، أملأ منه آذانهم، وأرعب منه قلوبهم، وأذل به أعناقهم، فلما عرض الخلق على آدم وسماهم، قال الله تعالى: يا آدم، اختر من خلقي من أحببت، فاختار الفرس، فقال الله اخترت عزك، وعز ولدك باق فيهم ما بقوا، وينتج منه أولادك أولادًا، فبركتي عليك وعليهم، فما من تسبيحة ولا تهليلة ولا تكبيرة تكون من راكب الفرس إلا والفرس تسمعها وتجيبه مثل قوله.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، عن سعيد بن جبير قال: سأل رجل ابن عباس، عن أكل لحوم الخيل، فكرهها وقرأ: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة}.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه كان يكره لحوم الخيل ويقول: قال الله: {والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون} فهذه للأكل {والخيل والبغال والحمير لتركبوها} فهذه للركوب.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن مجاهد أنه سئل عن لحوم الخيل؟ فقال: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها}.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن الحكم في قوله: {والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون} فجعل منه الأكل، ثم قرأ: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} قال: لم يجعل لكم فيها أكلًا وكان الحكم يقول: الخيل والبغال والحمير حرام في كتاب الله.
وأخرج أبو عبيد وأبو داود والنسائي وابن المنذر، عن خالد بن الوليد قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كل ذي ناب من السباع، وعن لحوم الخيل والبغال والحمير».
وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة والترمذي وصححه والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله قال: طعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل، ونهانا عن لحوم الحمر الأهلية.
وأخرج أبو داود وابن أبي حاتم من طريق أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله أنهم ذبحوا يوم خيبر الحمير والبغال والخيل، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمير والبغال، ولم ينههم عن الخيل.
وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي وابن جرير وابن مردويه من طريق عطاء، عن جابر قال: كنا نأكل لحم الخيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: والبغال؟ قال: أما البغال فلا.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة وابن المنذر، عن أسماء قالت: نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسًا، فأكلناه ـ.
وأخرج أحمد، عن دحية الكلبي قال: قلت يا رسول الله، أحمل لك حمارًا على فرس، فينتج لك بغلًا وتركبها؟ قال: «إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون».
وأخرج الخطيب في تاريخه، وابن عساكر، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {ويخلق ما لا تعلمون} قال البراذين.
وأخرج ابن عساكر، عن مجاهد في قوله: {ويخلق ما لا تعلمون} قال السوس في الثياب.
وأخرج ابن مردويه، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مما خلق الله لأرضًا من لؤلؤة بيضاء مسيرة ألف عام عليها جبل من ياقوتة حمراء محدق بها، في تلك الأرض ملك قد ملأ شرقها وغربها، له ستمائة رأس، في كل رأس ستمائة وجه، في كل وجه ستون ألف فم. في كل فم ستون ألف لسان، يثني على الله ويقدسه ويهلله ويكبره، بكل لسان ستمائة ألف وستين ألف مرة، فإذا كان يوم القيامة نظر إلى عظمة الله، فيقول وعزتك ما عبدتك حق عبادتك» فذلك قوله: {ويخلق ما لا تعلمون}.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات، عن الشعبي قال إن لله عبادًا من وراء الأندلس، كما بيننا وبين الأندلس، ما يرون أن الله عصاه مخلوق، رضراضهم الدر والياقوت، وجبالهم الذهب والفضة، لا يحرثون ولا يزرعون ولا يعملون عملًا، لهم شجر على أبوابهم لها ثمر هي طعامهم، وشجر لها أوراق عراض هي لباسهم.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن وهب أنه قيل له: أخبرنا من أتى سعالة الريح، وانه رأى بها أربع نجوم كأنها أربعة أقمار؟ فقال وهب: {ويخلق ما لا تعلمون}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{عَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9)}.
قوله تعالى: {وَمِنْهَا جَآئِرٌ} الضميرُ يعود على السبيل لأنها تُؤَنَّثُ: {قُلْ هذه سبيلي} [يوسف: 108]، أو لأنها في معنى سُبُل، فَأَنَّثَ على معنى الجمع.
والقَصْدُ مصدرٌ يُوصَفُ به فهو بمعنى قاصِد، يُقال: سبيلٌ قَصْدٌ وقاصِدٌ، أي: مستقيم كأنه يَقْصِد الوجهَ الذي يَؤُمُّه السَّالكُ لا يَعْدِل عنه، وقيل: الضمير يعود على الخلائق ويؤيِّده قراءةُ عيسى وما في مصحف عبد الله: {ومنكم جائِزٌ}، وقراءةُ عليٍّ: {فمنكم جائر} بالفاء.
وقيل: أل في السبيل للعَهْدِ، فعلى هذا يعود الضميرُ على {السبيل} التي يتضمَّنها معنى الآية كأنه قيل: ومِن السبيل، فأعاد عليها وإنْ لم يَجْرِ لها ذِكْرٌ؛ لأنَّ مقابلَها يَدُلُّ عليها، وأمَّا إذا كانت أل للجنس فتعودُ على لفظها.
والجَوْرُ: العُدولُ عن الاستقامةِ. قال النابغة:
يَجُور بها الملاَّحُ طَوْرًا ويَهْتدي

وقال آخر:
ومن الطريقةِ جائرٌ وهُدىً ** قَصْدُ السبيلِ ومنه ذُو دَخْلِ

وقال أبو البقاء: وقَصْدُ مصدرٌ بمعنى إقامةِ السبيل وتَعِديلِ السبيلِ، وليس مصدرَ قصَدْتُه بمعنى أتَيْتُه.
{وَالَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10)}.
قوله تعالى: {مَاء لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ} يجوزُ في {لكم} أن يتعلَّقَ ب {أنْزَلَ}، ويجوزُ أن يكونَ صفةً ل {ماء}، فيتعلَّقَ بمحذوفٍ، فعلى الأولِ يكون {شرابٌ} مبتدأً و{منه} خبرُه مقدَّمٌ عليه، والجملةُ أيضًا صفةٌ ل {ماء} وعلى الثاني يكون {شرابٌ} فاعلًا بالظرف، و{منه} حالٌ من {شراب}، و{مِنْ} الأولى للتبعيض، وكذا الثانيةُ عند بعضِهم، لكنه مجاز لأنه لمَّا كان سَقْيُه بالماء جُعِل كأنه من الماء كقوله:
أسنِمَة الآبالِ في رَبابَهْ

أي: في سَحابة، يعني به المطرَ الذي يَنْبُتُ به الكلأُ الذي تأكلُه الإِبِلُ فَتَسْمَنُ اَسْنِمَتُها.
وقال أبو بكر بن الأنباري:هو على حذف مضاف إمَّا من الأول، يعني قبل الضمير، أي: مِنْ سَقْيِه وجِهتِه شجرٌ، وإمَّا من الثاني، يعني قبل شجر، أي: شُرْب شجر أو حياة شجر، وجعل أبو البقاء الأولى للتبعيض والثانية للسبيية، أي: بسببه، ودَلَّ عليه قولُه: {يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزرع}.
والشَّجَرُ هنا: كلُّ نباتٍ من الأرض حتى الكَلأُ، وفي الحديث: «لا تأكُلوا الشجرَ فإنه سُحْتٌ» يعني الكلأ، ينهى عن تحجُّر المباحاتِ المحتاجِ إليها بشدة، وقال:
نُطْعِمُها اللحمَ إذا عَزَّ الشجَرْ

وهو مجازٌ؛ لأنَّ الشجرَ ما كان له ساقٌ.
قوله: {فِيهِ تُسِيمُونَ} هذه صفةٌ أخرى ل {ماء}، والعامَّة على {تُسِيمون} بضمِّ الياء مِنْ أسام، أي: أَرْسَلَها لِتَرْعى، وزيد بن علي بفتحِها، فيحتمل أن يكونَ متعديًا، ويكون فَعَل وأَفْعَل بمعنى، ويحتمل أن يكون لازمًا على حذفِ مضافٍ، أي: تَسِيْمُ مواشِيَكُمْ.
{نْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)}.
قوله تعالى: {يُنبِتُ} تحتمل هذه الجملةُ الاستئنافَ والتبعيةَ كما في نظيرتِها، ويقال: أَنْبت اللهُ الزرعَ فهو مَنْبُوت، وقياسُه مُنْبَتٌ، وقيل: أَنْبت قد يجيْءُ لازمًا كنَبَت أنشد الفراء:
رأيتَ ذوي الحاجاتِ حولَ بيوتِهمْ ** قَطِينًا لهم حتى إذا أَنْبَتَ البَقْلُ

وأباه الأصمعي، والبيتُ حجةٌ عليه، وتأويلُه بأَنبت البقلُ نفسَه على المجاز بعيدٌ جدًا.
وقرأ أبو بكر: {نُنْبِتُ} بنون العظمة، والزهري {نُنَبِّتُ} بالتشديد، والظاهر أنه تضعيف المتعدي، وقيل: بل للتكرير، وقرأ أبي: {يَنْبُت} بفتحِ الياء وضم الباء، {الزَّرعُ} وما بعده رفعٌ بالفاعلية. اهـ.